الزواج والاستخلاف

الزواج والاستخلاف

الكون بكل ما فيه من موجودات: جمادات وأحياء، هي مخلوقات لله تعالى، لم تخلقها المصادفة، وإنما هي من صنع الله تعالى البديع الحكيم، قـال تعالى:« صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون »، ومن عظيم صنعه وإتقانه أن جعل الإنسان مخلوقا متميزا بين سائر المخلوقات منذ النشأة الأولى، ويتجلى ذلك مليا من خلال أن نفخ فيه من روحه، وبما منحه من الصفات والخصائص التي تؤهله ليكـون خليفة الله في الأرض، قال تعالى: « وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة »، وقال تعالى: « وهو الذي جعلكم خلائف الأرض »، فاختار الله - جل وعلا - لحكمة يعلمها أن يقوم بمهمة الاستخلاف رجل وامرأة، خلق فيهما غرائز عدة منها: الغريزة الجنسية.
إن تحقيق رسالة الاستخلاف، واستمرار الحياة، وتحقيق العبودية لله تعالى في الأرض، يحتاج إلى التوالد والتكاثر، ومن خلال علاقة تربط بين الرجل والمرأة، وبالنظام الذي اختاره الله تعالى لذلك، ألا وهو الزواج، قال تعالى: س يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء» ، ففي الزواج يستمر وجود البشر على سطح الأرض ويستمر إعمارها، واستخلاف الله للإنسان، فهو الطريق الذي عرفته الإنسانية على مر العصور، ونادت به جميع الشرائع السماوية.
وقد رافق هذا الزواج على مر العصور نوعان من المظاهر:
الأول: ما جاء به الرسل - عليهم السلام -.
الثاني: ما تعارف عليه البشر بين بعضهم البعض.
ويقسم النوع الثاني إلى قسمين: القسم الأول: لا يتعارض مع ما جاء به الرسل - عليهم السلام - بل هو شكل من أشكال تطبيق ما جاءوا به، وزيادة عليه فيما لم يتعرفوا عليه في دائرة المباح.
القسم الثاني: ما كان بعيدا عما جاء به الرسل، ومتعارضا معه كفاحا، وقد يكون متأثرا بما جاء به الرسل - عليهم السلام - في المعنى، أو الصورة، وتأتي الرسائل السماوية تترى لتقر منه ما لا يصطدم مع عقيدة التوحيد، لكن التحريف نال من هذه المبادئ، حتى لم يعد يصلح نسـبتها إلى الرسالات السماوية وإن انتسبت إليها.
لذلك نرى أن الزواج في الشريعة الإسلامية هو نظام إلهي شرعه الله سبحانه وتعالى لخير البشرية، وصلاح المجتمع، وسعادة الدارين الدنيا والآخرة.
ولما للزواج من أهمية بالغة في حياة الأمة الإسلامية فقد عني به الشارع الحكيم عناية خاصة، وكيف لا ينال الزواج هذه العناية الفائقة وهو الأمر الفطري الذي تقتضيه طبيعة الأشياء في تكاثرها وتوالدها؟! لذلك فقد أحاطه الله تعالى برعاية فريدة في مراحله كلها، فعني به منذ اللحظة الأولى التي يفكر فيها الإنسان بالزواج، وانتهاء بإبرامه وإنشائه لهذا العقد الجليل، فنراه قد نظم أموره، ووضع أسسه، وشرع أحكامه، فهذه العناية الدقيقة لم تتوفر في أي عقد من العقود الأخرى؛ ذلك أن الزواج أساس الأسرة، والأسرة أساس المجتمع وقوته، ومن هنا تبرز أهمية الزواج في الأسرة، كما تبرز أهميتها للمجتمعات والأمم الأخرى