الرحمة .. في القرآن مغفرة ورحمة

الرحمة.. في القرآن مغفرة ورحمة

تفضي اسماء الله تعالى التي نقلها إلينا النص القرآني واحصيناها إلى تسع وتسعين، الى فضاء واسع كبير لم نقع على سفر حازها بدلالاتها الواسعة الآفاق، ذلك ان كل اسم اشتمل على صفة من صفات الله تعالى اعطى من الدلالات ما بقي تأويله مفتوحا أمام قدرة الفهم الإنساني على ادراك ابعاد هذه الدلالات، تتمثل بقوله تعالى إن رحمة ربك قريب من المحسنين، لنجد في هذا القول الحق من الابعاد ما لا نقدر على سبر أغواره، والوصول إلى ختام معناه، والوقوع على غاية مقاصده، فالرحمة هنا مفتوحة التأويل على امتداد يطال الحياة الدنيا ويصل إلى ما ستكون عليه الحياة الآخرة، حين جاء الربط هنا بين الرحمة والإحسان بالبعد الذي يخيل للقارئ وللوهلة الأولى، انه مكاني قريب في حين ان امتداد التأويل قد يأخذ بيدنا لنجد أن قريب اشتملت على الأبعاد كلها زمانييها ومكانييها، والظروف والأحوال التي تترتب على عملية الاحسان التي جاءت هنا وكأنه احد منتجات الرحمة.
ولعل من بين عديد عظيم دلالات النصوص التي اشتملت على لفظة رحمة ما تجاورت فيها الرحمة والمغفرة، وعلى الرغم من ان البحث عن مثل هذه المجاورة سيفضي الى ندرتها في النصوص القرآنية حيث وردت في آية آل عمران 157، والنساء 96، فقدم هذان النصان، مشاهد بديعة لآثار هذا الجوار العظيم، قلنا ان نتصور ما الذي يترتب على جوار الرحمة بما هي عليه من عطاء الله تعالى مع المغفرة هذا الفعل العظيم، واذا كان صحيح الحديث الذي اشار الى انه من يدخل الجنة الا من تغمده الله تعالى برحمته ندرك كيف ان جوار المغفرة سيكون الجوار الأعظم في تمهيد هذا الطريق الى جنة الخلد التي وعدها الله تعالى لكل من فاز برحمته وحظي بمغفرته.
جاء قوله تعالى في الآية 96 من النساء درجات منه ومغفرة ورحمة وكان الله غفورا رحيما استكمالا لما نقلته الآية 95 السابقة من السورة نفسها لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما، وإذا تجاوزنا ما قصدت إليه درجات التي تعددت تأويلاتها في نصوص التأويل التي وصلتنا، لكنها تمحورت حول ما أعده الله تعالى للفئة المذكورة في هاتين الآيتين في الجنة، إذا تجاوزنا مقاصد درجات هنا، لتصل الى ما قدمه تجاور المغفرة والرحمة اللتين عطفتا على درجات منه، نجد ان هذه الدرجات كما أعدها الله تعالى بما هي عليه من عطاء مفتوح لا ينتهي، وهو عطاء مما اشتملت عليه جنات النعيم، لنجد ان هذا الاتساع في كل العطاء هذا انما تسبب لمجاورة المغفرة والرحمة، فالعمل هنا في هذين النصين هو الجهاد بالمال والنفس والمفاضلة بين القاعدين والمجاهدين، فجاءت المفاضلة بأنه فضل المجاهدين على القاعدين درجة، فكانت هذه الدرجة أجرا عظيما تمت صياغته في اطار المغفرة والرحمة وعلينا ان نتصور كيف سيكون هذا الأجر الذي صاغه الله تعالى من رحمته ومغفرته.. والله أعلم.