هذا بيان للناس - الرحمة في القرآن «فانظر الى اثار رحمة الله»

تنتقل بنا الاية 50 من سورة الروم الى فضاء آخر جديد, غير ما سبق ان قدمته لنا نصوص قرآنية تمحورت بنيتها حول اشكال الرحمة يفيض بها الله تعالى على «كل شيء» في هذا الكون الذي لا نزال نجهل المسافات الطويلة من ابعاده التي جعلها الله تعالى على قدر يوازي الاحتياجات الاساسية لتحقيق اهداف خلقها, فليس هناك من مخلوقات الله عز وجل ما جاء خلقه عبثاً كما ان ليس هناك من مخلوقات الله تعالى من يقدر على البقاء خارج دائرة رحمته, هذا في الدنيا اما في الاخرة فإن للقوانين الناظمة للحراك الحياتي هناك ضوابط اخرى غير هذه التي نعرف.
هنا.. في آية الروم.. نتعرف على الغائب من الشاهد, أي من الفاعل غير المرئي نصل الى الاثر المرئي, كل هذا في حادث اعجاز يذهل العقل الذي يريد أن يعي التداعيات التي صاغت هذا الاعجاز ويبحث في النظم والقوانين التي انتجته, ليكتشف كيف أن الامور كلها جاءت هنا منوطة بأحد اعظم هبات الله تعالى الى الكون كله «الرحمة», ذلك ان الرحمة كما جعلها الله تعالى, لم تأت منوطة فقط بالانسان أو الحيوان أو غيرها من العالمين, بل جاءت بالعالمين كلها لاسباب الربوبية التي كانت لله تعالى لانه سبحانه «رب العالمين».
ان هذه الربوبية الشاملة لكل ما عرفنا أو لم نعرف من عوالم هذا الكون, هي التي استوجبت شمولية الرحمة يفيض بها الله تعالى على «العالمين» وهنا في الأية 50 من الروم, يقدم لنا المشهد الذي يصوغه النص شكلاً آخر من اشكال الرحمة, يقوم على مقدمة ونتيجة, على فعل وأثر على غائب نستدل عليه من الشاهد, فالطلب «انظر» لفت الانتباه الى «الاثار», هذه الاثار التي تترتب على «رحمة الله» هذه الرحمة التي دلتنا عليها «اللفظة» وعرفناه بأدواتنا عبر الاثر فماذا كان الهدف من صياغة هذا المشهد كله؟
الاثر الذي اراد النص ان يلفت الانتباه اليه, وقع بداية عند «كيف يحيي الارض بعد موتها» وهنا يفترض أن يتركز الانتباه عند تداعيات المعجزة التي تفاصيلها, ارض جرداء لا حياة فيها, أو هكذا نشاهدها بعيوننا المجردة, حتى اذا زارها الماء اهتزت وانبتت من كل زوج بهيج» انتشرت على امتداد سطحها حياة نباتية واخرى دقيقة تبحث في النفس الذهول, الذي ما كان ليرى وبالتالي ما كان ليصدق أن في هذا السطح الاجرد حياة كامنة بانتظار ارادة الله تعالى التي تعكس وجهاً من أوجه رحمته كي تدب فيها الحياة.
هكذا.. رأينا الفاعل عبر الاثر.. أو الغائب عبر الشاهد, في احياء موات كنا لا نرى فيه حتى وقت قريب أي حياة, الى أن دبّت فيه حياة لتكون اثراً من اثار رحمة الله, لماذا جاء المثل ليكون مقدمة ودليلاً قاطعاً وشاهداً عدلاً على أن ذلك أن الذي فعلت رحمته هذه الحياة «لمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير». والله اعلم.