تكرار صلاة الجماعة في المسجد

تكرار صلاة الجماعة في المسجد






مسألة فقهية، نحب أن نشير اليها، من باب إثراء النقاش العلمي، وتعريف الجمهور بمختلف الآراء الواردة فيها، وأيها أقوى دليلا، بعيدا عن التعصب لأي قول. وهي حكم قيام جماعة ثانية لأداء الصلاة، بعد الإنتهاء من الجماعة الأولى
اختلف العلماء في ذلك؛ حيث قال الحنابلة والحنفية بجواز تكرار الجماعة في المسجد. وذهب الشافعية والمالكية الى كراهة تكرار الجماعة في مسجد له إمام راتب ومؤذن راتب، وما عدا ذلك لا يكره.
وقد استدل القائلون بالجواز بما رواه الأثرم وسعيد بن منصور عن أنس أنه دخل مسجدا قد صلوا فيه، فأمر رجلا فأذن بهم، وأقام فصلى بهم جماعة. وهذا الأثر قد علقه البخاري ووصله البيهقي بسند صحيح عنه، وقد يستدل به بعضهم على جواز تعدد صلاة الجماعة في المسجد، ولا حجة فيه، لانه خالف أثر عبدالله بن مسعود، فقد روى عبدالرزاق في المصنف بسند حسن أن الأسود وعلقمة أقبلا مع ابن مسعود الى المسجد، فعندما شاهدوا الناس قد صلوا، رجع بهم الى البيت، وصلى بهما، فلو كانت الجماعة الثانية جائزة لما امتنع ابن مسعود عن ذلك، علما أن الفريضة في المسجد أفضل كما لا يخفى. وهذا الأثر له حكم الرفع، فقد روى الطبراني في الأوسط أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل من نواحي المدينة يريد الصلاة، فوجد الناس قد صلوا، فمال الى منزله، فجمع أهله فصلى بهم، وهو حديث حسن. ويبقى عندنا أثر أنس بن مالك.
من المعلوم، أن جمع الدليلين أولى من الترجيح إن أمكن ذلك، وهو هنا ممكن؛ إذا حملنا جماعة أنس بن مالك التي أقامها في مسجد ليس له إمام راتب. وبذلك يتفق مع اثر ابن مسعود، ولا خلاف ان شاء الله.
و الحديث المشهور حينما أنهى النبي صلاته فدخل أحد الرجال متأخرا، فقال لأصحابه: «ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه؟» وغاية ما في هذا الحديث، هي صلاة متنفل وراء مفترض، أو العكس. وبحثنا إنما هو صلاة مفترض خلف مفترض، فلا يصح قياس الادنى على الأعلى.
والخلاصة إن االصواب مع الفريق الثاني، فلا يجوز تعدد الجماعات في مسجد بعد الانتهاء من جماعة الإمام الراتب، ونسوق ما رواه ابن أبي شيبة عن الحسن البصري بسند موصول عنه، عله يكون فصلا في موضع النزاع، قال الحسن البصري: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخلوا المسجد وقد صُلِي فيه صلوا فرادى.. والله أعلم وأحكم..